جو فيج/ استوديو الفنان
بينما نتجول في صالة عرض او في متحف فني، وحينما نرى لوحة فنية كبيرة أو حتى منحوته ضخمة، فانه من السهل جدا ان ننسى تماما كيف انجز هذا المنتج او حتى ان نتخيل تلك الخطوات والعمليات الشاقة واءه. فالمنتج النهائي كان نتاج اللحظات الطويلة من الابداع و الوحي التأملي. ناهيك عن تلك التفاصيل الضخمة جدا من المجهود النفسي والجسدي. هذه التفاصيل وما يتخللها من جوانب روتينة من يوم الفنان، كانت بمثابة المحرك الاول للفنان (جو فيج ) و الشرارة الأولى التي اوقدت مسيرة حياته الفنية من خلال استكشاف الحياة العملية لزملاءه الفنانيين المحترفين. فمن خلال الزيارات و المقابلات، وثق فيج وبدقة افواج تلك العمليات في منتجه الفني. ففي (داخل استويو الفنان) ترجم فيج كل تلك العمليات، المشاهدات ومراقبته لؤلئك الفنانيين و حولها الى منتج متجسد في اعمالا فنية، اما بلوحات، منحوتات او رسومات بحيث مثلت تلك الاعمال استوديوهات لبعض من فناني الجيل المعاصر: ومنهم ليوناردو درو، كيت قليمور، روكسي باني، ويل ريمان و لوري سيمونس... وغيرهم.
فمنذ عام1990، منح جو فكرة استوديو الفنان الكثير من وقته، وكرس لها العديد من الأعمال التي بدورها لعبت دورا مهما في اعماله كفنان بصري، اضافة الى الدور الذي تلعبه بصريا في لفت نظر المشاهد الى جنبا قد يكون غائبا عنه كليا، ذلك النضوج في أعمال جو فيج يظهر جليا منذ عام 2000 حينما بدا جو في التحضير لدرجة الماجستير في الفنون في مدرسة الفنون البصريه - بنيويورك. فالحوار و التجاذب المتبادل بين المنحوتات الفنية، الصور الفوتوغرافية و اللوحات الفنية، الامر الذي جعل من أعماله الأكثر زخما من ناحية التفاعل و الارتباط الوثيق بأستوديو الفنان. فالعملية الابداعية الخلاقه- بمعنى ابداع الفنان- كان هدف جو الاساسي، و المتمثل في فهم الحقيقة بوضوح، حقيقة كل ما يحدث يوما بيوم من ممارسات يومية في حياة الفنان. الأمر الأهم بالنسبة لجو ليس فقط ان يكون المنتج الفني فريدا يتسم بالتركيز المكثف، انما الحوارو المناقشة بينه و بين الفنان هو المحور الاساسي المهم.
حينما تخرج جو فيج من مدرسة الفنون البصريه بنيويورك، بدأ بزيارات استوديوهات الفنانين. يقول جو:" فكرت انني حينما ازور استوديوهات الفنانين التجريديين الانطباعيين، سوف اقوم باعادة انتاج الاستوديو ونسخ بعضا من عملياتهم، و بعدها ربما سأكون رساما تجريديا" يقول اول من زرتهم كان الفنان "ميشيل قولدبرج" - جيل ثاني من رسامي التجريد- كان الاستوديو الخاص به في يوم ما ينتمي للفنان " مارك روثكو"، وجدت حينها ان كان المكان مليء بالقصص، خرجت يومها و تمنيت لو كنت قد سجلت ووثقت كل تلك القصص. كان ذلك اللقاء في النهاية السبب الذي قاد جوفيج الى نشر كتابه في عام 2009، "داخل استويو الرسام"، و الذي تسبب في بناء مسيرة الفنان، من خلال إعادة بناء لوحات و منحوتات ذات صلة بأستويو الرسام.
من خلال زيارات جو للفنانين أبدى أهمية كبيرة في طرح العديد من التساؤلات للمشاهد، من اهم تلك التساؤلات: ما الذي يجعل من استودو الفنان استوديو؟ وهل يكفي أن نضع الفنان في غرفة لكي تكون استوديو؟.. وغيرها من التساؤلات التي جعلت من أعمال جو فيج جزءا مهما من حياة الفنان في الاستودو الخاص به، و التي قد يعيشها و يختبرها الكثير، فبالنسبة لجو حياة الفنان يتخللها الكثير من الحماسة ولو لم تكن فقط الحماسة، فإن الفضول لزيارة مكان الفنان يلعب دورا هاما.
بالنظر الى اعمال جو نرى انه جعل من الفنانين موضوعا لأعماله، فيمكن رؤية تلك الأعمال لجوعلى انها تخيلات لمكان مقدس كما يصفها ويراها هو، فهذه الاستوديوهات الخاصه بالفنانيين اصبحت بمثابة باليته لجو يمزج من خلالها تلك الذكريات و الاحداث الفانية، من المشاهد ات و ما يتخللها من مشاعر و ايحاءات وافكار، والتي اصبحت بدورها بمثابة الهام ووحي لجو و لاعماله. حيث يصف جو اعماله بأنها انبثقت من تحليله الرومانسي لمدى قداسة و حرمه هذه الاستويوهات، فهي ليست كالمتاحف يمكن الدخول اليها في أي وقت، و أن احتمالية رؤية الفنان وهو يعمل في الاستوديو الخاص به هي من الامور المعرية.
بينما يطرح جو استوديو الفنان في اعماله، فانه يطرح العديد من الافتراضات، فبكل الطرق التي نتخيل فيها استوديو الفنان، غالبا ما نتخيل التصميم الداخلي للمكان، فالاستوديو قد يكون مكانا اقتطع من الفضاء قبل الايجاد، تحركه العملية الفنية، و تقيده مقتضيات العقارات و الدخل المادي للفنان، ولكن حينما يكون التصميم الداخلي للمكان جاء صدفة تكون عنصرا هاما في استوديو الفنان بما تسببه من حدود و قيود لامكانيات و قدرات الفنان. هذا الامر جعل جو يركز على حوالي 15 سؤالا يتعلق بالهندسة العمرانية و التصميم الداخلي لاستوديو الفنانين، مثلا: هل قمت بتخطيط و تصميم هندسة المكان؟ أَمْ انه تطور بشكل تلقائي و بالصدفة؟ و كانت أغلب الأجوبه ان الاستوديو تطور بشكل تلقائي عضوي دون تخطيط مسبق.
انتج جو أعمالا عديدة في مشروع استوديو الفنان من لوحات، طباعة حريرية، منحوتات، و نماذج للفنانين في الاستويدوهات الخاصة بهم، بما يتضمن دمى تمثل اؤلئك الفنانيين وهم يعملون في تأمل مكتئب على لوحات الكانفاس، بالاضافة الى بعض المشاهد ذات الخصوصية، مثل طاولات العمل التي تحمل جداول الاعمال اليومية، هذه المنحوتات و المجسمات المنمنه تحتوي على معلومات كثيرة و اسرار مهمه عن اؤلائك الفنانين، فقد التقط جو من خلال هذه المنحوتات تلك اللحظة الحاضرة التي راها مناسبة و معبره عن تلك الاستويوهات و حياه الفنان التي لن تتكرر و بالتاكيد سوف تتغير في المستقبل القريب، الا ان بعض تلك المجسمات نجد ان الفنان غائبا فيها، الامر الذي يترك المشاهد متسائلا و يبحث عن سبب ذلك الغياب، حيث يحول جو ذلك المجسم الى مجرد مسرح خالي، يجعل الفنان غائبا يبحث و ينشغل باعماله و التزاماته. يقودنا ذلك الى التساؤل عن جو نفسه و عن طريقة عمله في تحويل تلك الاستويهات الى أماكن مجرده متناهية في الصغر؟! وما هي طريقة عمله و كيف يقوم بتحريفها و التلاعب بقياساتها الحقيقة ولماذا تحويلها الى اعمال صغيره جدا؟! ولماذا هو منشغل بتلك التفاصيل الخاصة باستويو كل فنان على حده؟ّ! ابتداءا بالتلاعب بالمنظور من صورة ثنائية الابعاد، وثم تحويلها الى مجسم ثلاثي الابعاد، انتهاءا بذلك الزخم من التفاصيل و الانشغال بكل باليته و ما تحتوي عليه من الوان!! و كيف ان جو قام بمزج الالوان الخاصة بكل فنان!! و التي تحمل جانبا كبيرا من شخصياتهم و بصماتهم، كذلك الادوات الشخصية المستخدمه في الاستوديو من فرش، الوان و مواد تنظيف و فوط!! فكل تلك المنحوتات و المجسمات حملت توثيقا عميقا و اكثر ادراكا من مجرد توثيق بالصور او حتى بالمقابلات و المحادثات التسجيلية. ربما اجابات تلك التساؤلات قد نجدها في احدى المقابلات لجو تقول: "جاءت فكره عمل مجسمات لاستوديوهات اؤلئك الفناننين لجو فيج في بداية التسعينات 1990 عندما كان جو يعمل في مرسمه الخاص بالمنزل و الذي كان عباره عن غرفه المعيشة، كان حينها يحسد الفنانين الذي يشتغلون في استوديوهات بمساحه كبيره و اضاءه طبيعية جيدة، عمل حينها على انتاج تلك المجسمات والتي كانت بمثابة نسخ طبق الاصل مماثلة لتلك الاستويوهات. حينها اعجب النقاد و المقيمين و مقتني الاعمال الفنية بهذه الاعمال، فكانت بداية المسيرة الفنية الفعلية للفنان جو."
يقول جو عن تلك المجسمات :" كل نموذج او قالب يستغرق في عملية الانشاء من حوالي 4 الى 8 اسابيع ، و اغلبهم بمقاس ليس اكبر من 23 انش. حوالي 95 بالمئة من التجهيزات للعمل من صور، لوحات، سلالم، مقاعد، حبال،عربات متحركه، واعمال فنية، وغيرها هي بيد جو نفسه، وما غير ذلك من عناصر مكونه للعمل هي عناصر عضوية في الاصل قام بالتلاعب بها بشكل مقصود كدمى.
هناك جانبا اخر مكملا لاعمال جو، و هو الجانب الشخصي الحقيقي المتمثل في روح و شخص الفنان صاحب الأستوديو، فقد عرض جو سماعات ملتصقة بكل عمل تركيبي لمجسم نموذجي لاستوديو الفنان جعلت من الصورة العامة للعمل اكثر وضوحا، و قللت من التساؤلات و الانتقادات التي تفاداها جو فيج، من بعض المشاهدين الذين اولو اعجابا بحجم الاعمال المتناهية في الصغر.
كان لجو طريقة عمل جاءت على وتيره مدروسه، بحيث يقضي حوالي الساعه و النص في حوار مع الفنان في الاستوديو الخاص به، قبل ان يبدأ بمرحلة التوثيق وأخذ الصور، و من ثم تأتي مرحلة مراقبة الفنان أثناء انجاز الاعمال و ما يتخللها من خطوات وعمليات تاتي مصاحبة لذلك، و أخيرا يأخذ مقاسات الاستوديو. يقول جو" إن اكثر الفنانين جذبا لى هم اؤلائك الأكثر تشددا و تركيزا في اعمالهم."
جاءت أعمال جو في معرضة الاخير بغاليري (كريستين تيرني) بنيويورك، بمثابة احتفالية لكل من العمليات الابداعية و الإلهام المصاحب لها ، بغض النظر عن المهام الدنيوية التي ساهمت في انتاج العمل الفني.ففي منحوتاته الخاصه بمرسم الفنانة كيت قيلمور، نرى ان فيج يعرض سلما يتكيء ويقود الى ما يبدو جدارا أو لوحا اصفر اللون يبدو مألوفا، و حوله نرى بعض الاوراق المبعثرة على الارض، إلا اننا اذا ما نظرنا بقرب نحصل على المزيد من التفاصيل، نرى ان اللوح الاصفر يحمل العديد من الحفر العميقة التي تشكل دوائر كبيرة، تلك التفاصيل الدقيقة يمكن ان تغيب عنا على الفور اذا لم ينوه عنها. إلا انها واحدة من اعمق القطع الاثرية و الأكثر تعبيرا عما تعكسه هوية الفنانة والاستوديو الخاص بها: فعلى هذا السطح الخشبي الرقائقي، قامت قيلمور و العديد من النساء الاخريات بعمل حدث لفن الاداء الحي بعنوان (مشي المشي) في حديقة بريانت. لهذا السبب تزخر اعمال جو فيج بالعديد من التفاصيل الدقيقة والتي تكافئ مجهود الفنان بعلاقة طويلة المدى.
في احد اعمال جو والتي اخذت اتجاها مغايرا، حيث لفت انتباه جو جانبا اخر من استويو الفنانه (جودي بفاف)، كان ذلك المطبخ، يقول جو: " كان فضاء المكان جميلا ، يشبه الى حد كبير أعمال الفنانه، لذلك قمت بانتاج لوحة فنية تضمنت النافذة ذات الزوايا المعينه و المجزأه، السجادة المنقوشة، الطاولة، الكراسي، القدور و الكلب الاسود الطويل الذي يشمشم الارضية. "المطبخ" بالنسبة لي ان اقرب ما يكون الى شخصية الفنانة".
هناك العديد من الاشكاليات التي تطرح العديد من التساؤلات المهمه حول أعمال جو فمثلا: من هو بالضبط مؤلف تلك المؤلفات الفنية و ماهية العلاقة المتشعبة بين تلك المؤلفات؟! و العلاقة المترابطه بين المنتج الفني و الفنان و جو نفسه؟ و من أين يبدأ المنتج الفني الخاص بجو؟ واين ينتهي؟ وهل هو فن؟ ام هو مجرد توثيق؟ كل تلك التساؤلات حولت انظار النقاد و صالات العرض الى أعمال جو، والامر الذي جعل من جو فيج فنانا مفاهيميا ذكيا، وفي ذات الوقت فنانا واقعيا، حرفيا دقيق الى اقصى الحد، فكاهيا، و ايضا مؤرخا لفناني عصره. فقد اوجد لنفسه مكانا مغايرا يجد من خلاله الهامه لانتاج اعمالا فريدة من نوعها.
ربما كان جو يبحث عن العديد من التساؤلات التي تجول في خاطره والتي يظهربعضها بشكل ملحوظ في مقابلاته التي اجراها مع الفنانين؟! و ربما كان يبحث عن هويته من خلال اعماله التي تعبرعن هوية و طريقة تفكير الفنانين؟! أم هل هو من يلغي جزءا من هويته من خلال التعبير عن هؤلاء الفنانين؟! و هل يتحول هؤلاء الى جو، حينما ينتج اعمالا تعبر عن ماهيتهم و هويتهم؟!
فمنذ عام1990، منح جو فكرة استوديو الفنان الكثير من وقته، وكرس لها العديد من الأعمال التي بدورها لعبت دورا مهما في اعماله كفنان بصري، اضافة الى الدور الذي تلعبه بصريا في لفت نظر المشاهد الى جنبا قد يكون غائبا عنه كليا، ذلك النضوج في أعمال جو فيج يظهر جليا منذ عام 2000 حينما بدا جو في التحضير لدرجة الماجستير في الفنون في مدرسة الفنون البصريه - بنيويورك. فالحوار و التجاذب المتبادل بين المنحوتات الفنية، الصور الفوتوغرافية و اللوحات الفنية، الامر الذي جعل من أعماله الأكثر زخما من ناحية التفاعل و الارتباط الوثيق بأستوديو الفنان. فالعملية الابداعية الخلاقه- بمعنى ابداع الفنان- كان هدف جو الاساسي، و المتمثل في فهم الحقيقة بوضوح، حقيقة كل ما يحدث يوما بيوم من ممارسات يومية في حياة الفنان. الأمر الأهم بالنسبة لجو ليس فقط ان يكون المنتج الفني فريدا يتسم بالتركيز المكثف، انما الحوارو المناقشة بينه و بين الفنان هو المحور الاساسي المهم.
حينما تخرج جو فيج من مدرسة الفنون البصريه بنيويورك، بدأ بزيارات استوديوهات الفنانين. يقول جو:" فكرت انني حينما ازور استوديوهات الفنانين التجريديين الانطباعيين، سوف اقوم باعادة انتاج الاستوديو ونسخ بعضا من عملياتهم، و بعدها ربما سأكون رساما تجريديا" يقول اول من زرتهم كان الفنان "ميشيل قولدبرج" - جيل ثاني من رسامي التجريد- كان الاستوديو الخاص به في يوم ما ينتمي للفنان " مارك روثكو"، وجدت حينها ان كان المكان مليء بالقصص، خرجت يومها و تمنيت لو كنت قد سجلت ووثقت كل تلك القصص. كان ذلك اللقاء في النهاية السبب الذي قاد جوفيج الى نشر كتابه في عام 2009، "داخل استويو الرسام"، و الذي تسبب في بناء مسيرة الفنان، من خلال إعادة بناء لوحات و منحوتات ذات صلة بأستويو الرسام.
من خلال زيارات جو للفنانين أبدى أهمية كبيرة في طرح العديد من التساؤلات للمشاهد، من اهم تلك التساؤلات: ما الذي يجعل من استودو الفنان استوديو؟ وهل يكفي أن نضع الفنان في غرفة لكي تكون استوديو؟.. وغيرها من التساؤلات التي جعلت من أعمال جو فيج جزءا مهما من حياة الفنان في الاستودو الخاص به، و التي قد يعيشها و يختبرها الكثير، فبالنسبة لجو حياة الفنان يتخللها الكثير من الحماسة ولو لم تكن فقط الحماسة، فإن الفضول لزيارة مكان الفنان يلعب دورا هاما.
بالنظر الى اعمال جو نرى انه جعل من الفنانين موضوعا لأعماله، فيمكن رؤية تلك الأعمال لجوعلى انها تخيلات لمكان مقدس كما يصفها ويراها هو، فهذه الاستوديوهات الخاصه بالفنانيين اصبحت بمثابة باليته لجو يمزج من خلالها تلك الذكريات و الاحداث الفانية، من المشاهد ات و ما يتخللها من مشاعر و ايحاءات وافكار، والتي اصبحت بدورها بمثابة الهام ووحي لجو و لاعماله. حيث يصف جو اعماله بأنها انبثقت من تحليله الرومانسي لمدى قداسة و حرمه هذه الاستويوهات، فهي ليست كالمتاحف يمكن الدخول اليها في أي وقت، و أن احتمالية رؤية الفنان وهو يعمل في الاستوديو الخاص به هي من الامور المعرية.
بينما يطرح جو استوديو الفنان في اعماله، فانه يطرح العديد من الافتراضات، فبكل الطرق التي نتخيل فيها استوديو الفنان، غالبا ما نتخيل التصميم الداخلي للمكان، فالاستوديو قد يكون مكانا اقتطع من الفضاء قبل الايجاد، تحركه العملية الفنية، و تقيده مقتضيات العقارات و الدخل المادي للفنان، ولكن حينما يكون التصميم الداخلي للمكان جاء صدفة تكون عنصرا هاما في استوديو الفنان بما تسببه من حدود و قيود لامكانيات و قدرات الفنان. هذا الامر جعل جو يركز على حوالي 15 سؤالا يتعلق بالهندسة العمرانية و التصميم الداخلي لاستوديو الفنانين، مثلا: هل قمت بتخطيط و تصميم هندسة المكان؟ أَمْ انه تطور بشكل تلقائي و بالصدفة؟ و كانت أغلب الأجوبه ان الاستوديو تطور بشكل تلقائي عضوي دون تخطيط مسبق.
انتج جو أعمالا عديدة في مشروع استوديو الفنان من لوحات، طباعة حريرية، منحوتات، و نماذج للفنانين في الاستويدوهات الخاصة بهم، بما يتضمن دمى تمثل اؤلئك الفنانيين وهم يعملون في تأمل مكتئب على لوحات الكانفاس، بالاضافة الى بعض المشاهد ذات الخصوصية، مثل طاولات العمل التي تحمل جداول الاعمال اليومية، هذه المنحوتات و المجسمات المنمنه تحتوي على معلومات كثيرة و اسرار مهمه عن اؤلائك الفنانين، فقد التقط جو من خلال هذه المنحوتات تلك اللحظة الحاضرة التي راها مناسبة و معبره عن تلك الاستويوهات و حياه الفنان التي لن تتكرر و بالتاكيد سوف تتغير في المستقبل القريب، الا ان بعض تلك المجسمات نجد ان الفنان غائبا فيها، الامر الذي يترك المشاهد متسائلا و يبحث عن سبب ذلك الغياب، حيث يحول جو ذلك المجسم الى مجرد مسرح خالي، يجعل الفنان غائبا يبحث و ينشغل باعماله و التزاماته. يقودنا ذلك الى التساؤل عن جو نفسه و عن طريقة عمله في تحويل تلك الاستويهات الى أماكن مجرده متناهية في الصغر؟! وما هي طريقة عمله و كيف يقوم بتحريفها و التلاعب بقياساتها الحقيقة ولماذا تحويلها الى اعمال صغيره جدا؟! ولماذا هو منشغل بتلك التفاصيل الخاصة باستويو كل فنان على حده؟ّ! ابتداءا بالتلاعب بالمنظور من صورة ثنائية الابعاد، وثم تحويلها الى مجسم ثلاثي الابعاد، انتهاءا بذلك الزخم من التفاصيل و الانشغال بكل باليته و ما تحتوي عليه من الوان!! و كيف ان جو قام بمزج الالوان الخاصة بكل فنان!! و التي تحمل جانبا كبيرا من شخصياتهم و بصماتهم، كذلك الادوات الشخصية المستخدمه في الاستوديو من فرش، الوان و مواد تنظيف و فوط!! فكل تلك المنحوتات و المجسمات حملت توثيقا عميقا و اكثر ادراكا من مجرد توثيق بالصور او حتى بالمقابلات و المحادثات التسجيلية. ربما اجابات تلك التساؤلات قد نجدها في احدى المقابلات لجو تقول: "جاءت فكره عمل مجسمات لاستوديوهات اؤلئك الفناننين لجو فيج في بداية التسعينات 1990 عندما كان جو يعمل في مرسمه الخاص بالمنزل و الذي كان عباره عن غرفه المعيشة، كان حينها يحسد الفنانين الذي يشتغلون في استوديوهات بمساحه كبيره و اضاءه طبيعية جيدة، عمل حينها على انتاج تلك المجسمات والتي كانت بمثابة نسخ طبق الاصل مماثلة لتلك الاستويوهات. حينها اعجب النقاد و المقيمين و مقتني الاعمال الفنية بهذه الاعمال، فكانت بداية المسيرة الفنية الفعلية للفنان جو."
يقول جو عن تلك المجسمات :" كل نموذج او قالب يستغرق في عملية الانشاء من حوالي 4 الى 8 اسابيع ، و اغلبهم بمقاس ليس اكبر من 23 انش. حوالي 95 بالمئة من التجهيزات للعمل من صور، لوحات، سلالم، مقاعد، حبال،عربات متحركه، واعمال فنية، وغيرها هي بيد جو نفسه، وما غير ذلك من عناصر مكونه للعمل هي عناصر عضوية في الاصل قام بالتلاعب بها بشكل مقصود كدمى.
هناك جانبا اخر مكملا لاعمال جو، و هو الجانب الشخصي الحقيقي المتمثل في روح و شخص الفنان صاحب الأستوديو، فقد عرض جو سماعات ملتصقة بكل عمل تركيبي لمجسم نموذجي لاستوديو الفنان جعلت من الصورة العامة للعمل اكثر وضوحا، و قللت من التساؤلات و الانتقادات التي تفاداها جو فيج، من بعض المشاهدين الذين اولو اعجابا بحجم الاعمال المتناهية في الصغر.
كان لجو طريقة عمل جاءت على وتيره مدروسه، بحيث يقضي حوالي الساعه و النص في حوار مع الفنان في الاستوديو الخاص به، قبل ان يبدأ بمرحلة التوثيق وأخذ الصور، و من ثم تأتي مرحلة مراقبة الفنان أثناء انجاز الاعمال و ما يتخللها من خطوات وعمليات تاتي مصاحبة لذلك، و أخيرا يأخذ مقاسات الاستوديو. يقول جو" إن اكثر الفنانين جذبا لى هم اؤلائك الأكثر تشددا و تركيزا في اعمالهم."
جاءت أعمال جو في معرضة الاخير بغاليري (كريستين تيرني) بنيويورك، بمثابة احتفالية لكل من العمليات الابداعية و الإلهام المصاحب لها ، بغض النظر عن المهام الدنيوية التي ساهمت في انتاج العمل الفني.ففي منحوتاته الخاصه بمرسم الفنانة كيت قيلمور، نرى ان فيج يعرض سلما يتكيء ويقود الى ما يبدو جدارا أو لوحا اصفر اللون يبدو مألوفا، و حوله نرى بعض الاوراق المبعثرة على الارض، إلا اننا اذا ما نظرنا بقرب نحصل على المزيد من التفاصيل، نرى ان اللوح الاصفر يحمل العديد من الحفر العميقة التي تشكل دوائر كبيرة، تلك التفاصيل الدقيقة يمكن ان تغيب عنا على الفور اذا لم ينوه عنها. إلا انها واحدة من اعمق القطع الاثرية و الأكثر تعبيرا عما تعكسه هوية الفنانة والاستوديو الخاص بها: فعلى هذا السطح الخشبي الرقائقي، قامت قيلمور و العديد من النساء الاخريات بعمل حدث لفن الاداء الحي بعنوان (مشي المشي) في حديقة بريانت. لهذا السبب تزخر اعمال جو فيج بالعديد من التفاصيل الدقيقة والتي تكافئ مجهود الفنان بعلاقة طويلة المدى.
في احد اعمال جو والتي اخذت اتجاها مغايرا، حيث لفت انتباه جو جانبا اخر من استويو الفنانه (جودي بفاف)، كان ذلك المطبخ، يقول جو: " كان فضاء المكان جميلا ، يشبه الى حد كبير أعمال الفنانه، لذلك قمت بانتاج لوحة فنية تضمنت النافذة ذات الزوايا المعينه و المجزأه، السجادة المنقوشة، الطاولة، الكراسي، القدور و الكلب الاسود الطويل الذي يشمشم الارضية. "المطبخ" بالنسبة لي ان اقرب ما يكون الى شخصية الفنانة".
هناك العديد من الاشكاليات التي تطرح العديد من التساؤلات المهمه حول أعمال جو فمثلا: من هو بالضبط مؤلف تلك المؤلفات الفنية و ماهية العلاقة المتشعبة بين تلك المؤلفات؟! و العلاقة المترابطه بين المنتج الفني و الفنان و جو نفسه؟ و من أين يبدأ المنتج الفني الخاص بجو؟ واين ينتهي؟ وهل هو فن؟ ام هو مجرد توثيق؟ كل تلك التساؤلات حولت انظار النقاد و صالات العرض الى أعمال جو، والامر الذي جعل من جو فيج فنانا مفاهيميا ذكيا، وفي ذات الوقت فنانا واقعيا، حرفيا دقيق الى اقصى الحد، فكاهيا، و ايضا مؤرخا لفناني عصره. فقد اوجد لنفسه مكانا مغايرا يجد من خلاله الهامه لانتاج اعمالا فريدة من نوعها.
ربما كان جو يبحث عن العديد من التساؤلات التي تجول في خاطره والتي يظهربعضها بشكل ملحوظ في مقابلاته التي اجراها مع الفنانين؟! و ربما كان يبحث عن هويته من خلال اعماله التي تعبرعن هوية و طريقة تفكير الفنانين؟! أم هل هو من يلغي جزءا من هويته من خلال التعبير عن هؤلاء الفنانين؟! و هل يتحول هؤلاء الى جو، حينما ينتج اعمالا تعبر عن ماهيتهم و هويتهم؟!